خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) (الكهف) mp3
سُورَة الْكَهْف وَهِيَ مَكِّيَّة فِي قَوْل جَمِيع الْمُفَسِّرِينَ . رُوِيَ عَنْ فِرْقَة أَنَّ أَوَّل السُّورَة نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ إِلَى قَوْله " جُرُزًا " [ الْكَهْف : 8 ] , وَالْأَوَّل أَصَحّ . وَرُوِيَ فِي فَضْلهَا مِنْ حَدِيث أَنَس أَنَّهُ قَالَ : مَنْ قَرَأَ بِهَا أُعْطِيَ نُورًا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَوُقِيَ بِهَا فِتْنَة الْقَبْر . وَقَالَ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي فَرْوَة : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى سُورَة شَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلْف مَلَك مَلَأَ عِظَمُهَا مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض لِتَالِيهَا مِثْل ذَلِكَ ) . قَالُوا : بَلَى يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : ( سُورَة أَصْحَاب الْكَهْف مَنْ قَرَأَهَا يَوْم الْجُمْعَة غُفِرَ لَهُ الْجُمْعَة الْأُخْرَى وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام وَأُعْطِيَ نُورًا يَبْلُغ السَّمَاء وَوُقِيَ فِتْنَة الدَّجَّال ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ , وَالْمَهْدَوِيّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ . وَفِي مُسْنَد الدَّارِمِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : مَنْ قَرَأَ سُورَة الْكَهْف لَيْلَة الْجُمْعَة أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّور فِيمَا بَيْنه وَبَيْن الْبَيْت الْعَتِيق . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ حَفِظَ عَشْر آيَات مِنْ أَوَّل سُورَة الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّال ) . وَفِي رِوَايَة ( مِنْ آخِر الْكَهْف ) . وَفِي مُسْلِم أَيْضًا مِنْ حَدِيث النَّوَّاس بْن سَمْعَان ( فَمَنْ أَدْرَكَهُ - يَعْنِي الدَّجَّال - فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِح سُورَة الْكَهْف ) . وَذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . قَالَ : سَمُرَة بْن جُنْدُب قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ عَشْر آيَات مِنْ سُورَة الْكَهْف حِفْظًا لَمْ تَضُرّهُ فِتْنَة الدَّجَّال ) . وَمَنْ قَرَأَ السُّورَة كُلّهَا دَخَلَ الْجَنَّة .

ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا النَّضْر بْن الْحَارِث وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط إِلَى أَحْبَار يَهُود وَقَالُوا لَهُمَا : سَلَاهُمْ عَنْ مُحَمَّد وَصِفَا لَهُمْ صِفَته وَأَخْبَرَاهُمْ بِقَوْلِهِ ; فَإِنَّهُمْ أَهْل الْكِتَاب الْأَوَّل , وَعِنْدهمْ عِلْم لَيْسَ عِنْدنَا مِنْ عِلْم الْأَنْبِيَاء ; فَخَرَجَا حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَة , فَسَأَلَا أَحْبَار يَهُود عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَوَصَفَا لَهُمْ أَمْره , وَأَخْبَرَاهُمْ بِبَعْضِ قَوْله , وَقَالَا لَهُمْ : إِنَّكُمْ أَهْل التَّوْرَاة وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبنَا هَذَا . فَقَالَتْ لَهُمَا أَحْبَار يَهُود : سَلُوهُ عَنْ ثَلَاث نَأْمُركُمْ بِهِنَّ , فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيّ مُرْسَل , وَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَالرَّجُل مُتَقَوِّل , فَرُوا فِيهِ رَأْيكُمْ ; سَلُوهُ عَنْ فِتْيَة ذَهَبُوا فِي الدَّهْر الْأَوَّل , مَا كَانَ أَمْرهمْ ; فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيث عَجَب . سَلُوهُ عَنْ رَجُل طَوَّاف قَدْ بَلَغَ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا , مَا كَانَ نَبَؤُهُ . وَسَلُوهُ عَنْ الرُّوح , مَا هِيَ ; فَإِذَا أَخْبَرَكُمْ بِذَلِكَ فَاتَّبِعُوهُ فَإِنَّهُ نَبِيّ , وَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَهُوَ رَجُل مُتَقَوِّل فَاصْنَعُوا فِي أَمْره مَا بَدَا لَكُمْ . فَأَقْبَلَ النَّضْر بْن الْحَارِث وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط حَتَّى قَدِمَا مَكَّة عَلَى قُرَيْش فَقَالَا : يَا مَعْشَر قُرَيْش , قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنكُمْ وَبَيْن مُحَمَّد - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَنَا أَحْبَار يَهُود أَنْ نَسْأَلهُ عَنْ أَشْيَاء أَمَرُونَا بِهَا , فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ عَنْهَا فَهُوَ نَبِيّ , وَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَالرَّجُل مُتَقَوِّل , فَرُوا فِيهِ رَأْيكُمْ . فَجَاءُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد , أَخْبِرْنَا عَنْ فِتْيَة ذَهَبُوا فِي الدَّهْر الْأَوَّل , قَدْ كَانَتْ لَهُمْ قِصَّة عَجَب , وَعَنْ رَجُل كَانَ طَوَّافًا قَدْ بَلَغَ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا , وَأَخْبِرْنَا عَنْ الرُّوح مَا هِيَ ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أُخْبِركُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا ) وَلَمْ يَسْتَثْنِ . فَانْصَرَفُوا عَنْهُ , فَمَكَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَزْعُمُونَ خَمْس عَشْرَة لَيْلَة , لَا يُحْدِث اللَّه إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا وَلَا يَأْتِيه جِبْرِيل , حَتَّى أَرْجَفَ أَهْل مَكَّة وَقَالُوا : وَعَدَنَا مُحَمَّد غَدًا , وَالْيَوْم خَمْس عَشْرَة لَيْلَة , وَقَدْ أَصْبَحْنَا مِنْهَا لَا يُخْبِرنَا بِشَيْءٍ مِمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ ; وَحَتَّى أَحْزَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ الْوَحْي عَنْهُ , وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلَّم بِهِ أَهْل مَكَّة , ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِسُورَةِ أَصْحَاب الْكَهْف فِيهَا مُعَاتَبَته إِيَّاهُ عَلَى حُزْنه عَلَيْهِمْ , وَخَبَر مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْر الْفِتْيَة , وَالرَّجُل الطَّوَّاف وَالرُّوح . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : فَذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجِبْرِيل : ( لَقَدْ اِحْتَبَسْت عَنِّي يَا جِبْرِيل حَتَّى سُؤْت ظَنًّا " فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : " وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْرِ رَبّك لَهُ مَا بَيْن أَيْدِينَا وَمَا خَلْفنَا وَمَا بَيْن ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبّك نَسِيًّا " [ مَرْيَم : 64 ] . فَافْتَتَحَ السُّورَة تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِحَمْدِهِ , وَذِكْر نُبُوَّة رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : " الْحَمْد اللَّه الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْده الْكِتَاب " يَعْنِي مُحَمَّدًا , إِنَّك رَسُول مِنِّي , أَيْ تَحْقِيق لِمَا سَأَلُوا عَنْهُ مِنْ نُبُوَّتك . " وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا " أَيْ مُعْتَدِلًا لَا اِخْتِلَاف فِيهِ . " لِيُنْذِر بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْه " أَيْ عَاجِل عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا , وَعَذَابًا أَلِيمًا فِي الْآخِرَة , أَيْ مِنْ عِنْد رَبّك الَّذِي بَعَثَك رَسُولًا . " وَيُبَشِّر الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَات , أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا " أَيْ دَار الْخُلْد لَا يَمُوتُونَ فِيهَا , الَّذِينَ صَدَّقُوك بِمَا جِئْت بِهِ مِمَّا كَذَّبَك بِهِ غَيْرهمْ , وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرْتهمْ بِهِ مِنْ الْأَعْمَال . " وَيُنْذِر الَّذِينَ قَالُوا اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا " [ الْكَهْف : 4 ] يَعْنِي قُرَيْشًا فِي قَوْلهمْ : إِنَّا نَعْبُد الْمَلَائِكَة وَهِيَ بَنَات اللَّه . " مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم وَلَا لِآبَائِهِمْ " [ الْكَهْف : 5 ] الَّذِينَ أَعْظَمُوا فِرَاقهمْ وَعَيْب دِينهمْ . " كَبُرَتْ كَلِمَة تَخْرُج مِنْ أَفْوَاههمْ " [ الْكَهْف : 5 ] أَيْ لِقَوْلِهِمْ إِنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه . " إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا . فَلَعَلَّك بَاخِع نَفْسك عَلَى آثَارهمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيث أَسَفًا " [ الْكَهْف : 6 ] لِحُزْنِهِ عَلَيْهِمْ حِين فَاتَهُ مَا كَانَ يَرْجُوهُ مِنْهُمْ , أَيْ لَا تَفْعَل . قَالَ اِبْن هِشَام : " بَاخِع نَفْسك " مُهْلِك نَفْسك ; فِيمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَة . قَالَ ذُو الرُّمَّة : أَلَا أَيُّهَذَا الْبَاخِع الْوَجْد نَفْسَهُ بِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ الْمَقَادِر وَجَمْعهَا بَاخِعُونَ وَبَخَعَة . وَهَذَا الْبَيْت فِي قَصِيدَة لَهُ . وَقَوْل الْعَرَب : قَدْ بَخَعْت لَهُ نُصْحِي وَنَفْسِي , أَيْ جَهَدْت لَهُ . " إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْض زِينَة لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيّهمْ أَحْسَن عَمَلًا " [ الْكَهْف : 7 ] قَالَ اِبْن إِسْحَاق : أَيْ أَيّهمْ أَتْبَع لِأَمْرِي وَأَعْمَل بِطَاعَتِي : " وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا " [ الْكَهْف : 8 ] أَيْ الْأَرْض , وَإِنَّ مَا عَلَيْهَا لَفَانٍ وَزَائِل , وَإِنَّ الْمَرْجِع إِلَيَّ فَأَجْزِي كُلًّا بِعَمَلِهِ ; فَلَا تَأْسَ وَلَا يَحْزُنك مَا تَرَى وَتَسْمَع فِيهَا . قَالَ اِبْن هِشَام : الصَّعِيد وَجْه الْأَرْض , وَجَمْعه صُعُد . قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف ظَبْيًا صَغِيرًا : كَأَنَّهُ بِالضُّحَى تَرْمِي الصَّعِيد بِهِ دَبَّابَة فِي عِظَام الرَّأْس خُرْطُوم وَهَذَا الْبَيْت فِي قَصِيدَة لَهُ . وَالصَّعِيد أَيْضًا : الطَّرِيق , وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث : ( إِيَّاكُمْ وَالْقُعُود عَلَى الصُّعُدَات ) يُرِيد الطُّرُق . وَالْجُرُز : الْأَرْض الَّتِي لَا تُنْبِت شَيْئًا , وَجَمْعهَا أَجْرَاز . وَيُقَال : سَنَة جُرُز وَسُنُونَ أَجْرَاز ; وَهِيَ الَّتِي لَا يَكُون فِيهَا مَطَر . وَتَكُون فِيهَا جُدُوبَة وَيُبْس وَشِدَّة . قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف إِبِلًا : طَوَى النَّحْز وَالْأَجْرَاز مَا فِي بُطُونهَا فَمَا بَقِيَتْ إِلَّا الضُّلُوع الْجَرَاشِع قَالَ اِبْن إِسْحَاق : ثُمَّ اِسْتَقْبَلَ قِصَّة الْخَبَر فِيمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ شَأْن الْفِتْيَة فَقَالَ : " أَمْ حَسِبْت أَنَّ أَصْحَاب الْكَهْف وَالرَّقِيم كَانُوا مِنْ آيَاتنَا عَجَبًا " [ الْكَهْف : 9 ] أَيْ قَدْ كَانَ مِنْ آيَاتِي فِيمَا وَضَعْت عَلَى الْعِبَاد مِنْ حُجَّتِي مَا هُوَ أَعْجَب مِنْ ذَلِكَ . قَالَ اِبْن هِشَام : وَالرَّقِيم الْكِتَاب الَّذِي رُقِمَ بِخَبَرِهِمْ , وَجَمْعه رُقُم . قَالَ الْعَجَّاج : وَمُسْتَقَرّ الْمُصْحَف الْمُرَقَّم وَهَذَا الْبَيْت فِي أُرْجُوزَة لَهُ . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : ثُمَّ قَالَ " إِذْ أَوَى الْفِتْيَة إِلَى الْكَهْف فَقَالُوا رَبّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْك رَحْمَة وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرنَا رَشَدًا . فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانهمْ فِي الْكَهْف سِنِينَ عَدَدًا . ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا " [ الْكَهْف : 12 ] . ثُمَّ قَالَ : " نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْك نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ " [ الْكَهْف : 13 ] أَيْ بِصِدْقِ الْخَبَر " إِنَّهُمْ فِتْيَة آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى . وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبهمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبّنَا رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَنْ نَدْعُو مِنْ دُونه إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا " [ الْكَهْف : 14 ] أَيْ لَمْ يُشْرِكُوا بِي كَمَا أَشْرَكْتُمْ بِي مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم . قَالَ اِبْن هِشَام : وَالشَّطَط الْغُلُوّ وَمُجَاوَزَة الْحَقّ . قَالَ أَعْشَى بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة : أَتَنْتَهُونَ وَلَا يَنْهَى ذَوِي شَطَط كَالطَّعْنِ يَذْهَب فِيهِ الزَّيْت وَالْفَتْل وَهَذَا الْبَيْت فِي قَصِيدَة لَهُ . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : " هَؤُلَاءِ قَوْمنَا اِتَّخَذُوا مِنْ دُونه آلِهَة لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّن " [ الْكَهْف : 15 ] . قَالَ اِبْن إِسْحَاق : أَيْ بِحُجَّةٍ بَالِغَة . " فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا . وَإِذْ اِعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّه فَأْوُوا إِلَى الْكَهْف يَنْشُر لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ رَحْمَته وَيُهَيِّئ لَكُمْ مِنْ أَمْركُمْ مِرْفَقًا . وَتَرَى الشَّمْس إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَر عَنْ كَهْفهمْ ذَات الْيَمِين وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضهُمْ ذَات الشِّمَال وَهُمْ فِي فَجْوَة مِنْهُ " [ الْكَهْف : 17 ] . قَالَ اِبْن هِشَام : تَزَاوَر تَمِيل ; وَهُوَ مِنْ الزَّوْر . وَقَالَ أَبُو الزَّحْف الْكُلَيْبِيّ يَصِف بَلَدًا : جَدْب الْمُنَدَّى عَنْ هَوَانَا أَزْوَر يُنْضِي الْمَطَايَا خِمْسه الْعَشَنْزَرُ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَة لَهُ . و " تَقْرِضهُمْ ذَات الشِّمَال " تُجَاوِزهُمْ وَتَتْرُكهُمْ عَنْ شِمَالهَا . قَالَ ذُو الرُّمَّة : إِلَى ظُعُن يَقْرِضْنَ أَقْوَاز مُشْرِف شِمَالًا وَعَنْ أَيْمَانهنَّ الْفَوَارِس وَهَذَا الْبَيْت فِي قَصِيدَة لَهُ . وَالْفَجْوَة : السَّعَة , وَجَمْعهَا الْفِجَاء . قَالَ الشَّاعِر : أَلْبَسْت قَوْمك مَخْزَاة وَمَنْقَصَة حَتَّى أُبِيحُوا وَحَلُّوا فَجْوَة الدَّار " ذَلِكَ مِنْ آيَات اللَّه " أَيْ فِي الْحُجَّة عَلَى مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِمَّنْ أَمَرَ هَؤُلَاءِ بِمَسْأَلَتِك عَنْهُمْ فِي صِدْق نُبُوَّتك بِتَحْقِيقِ الْخَبَر عَنْهُمْ . " مَنْ يَهْدِ اللَّه فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِد لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا . وَتَحْسَبهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُود وَنُقَلِّبُهُمْ ذَات الْيَمِين وَذَات الشِّمَال وَكَلْبهمْ بَاسِط ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ " [ الْكَهْف : 18 ] قَالَ اِبْن هِشَام : الْوَصِيد الْبَاب . قَالَ الْعَبْسِيّ وَاسْمه عَبْد بْن وَهْب : بِأَرْضِ فَلَاة لَا يُسَدّ وَصِيدهَا عَلَيَّ وَمَعْرُوفِي بِهَا غَيْر مُنْكَر وَهَذَا الْبَيْت فِي أَبْيَات لَهُ . وَالْوَصِيد أَيْضًا الْفِنَاء , وَجَمْعه وَصَائِد وَوُصُد وَوُصْدَان . " لَوْ اِطَّلَعْت عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْت مِنْهُمْ فِرَارًا - إِلَى قَوْله - الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرهمْ " [ الْكَهْف : 21 ] أَهْل السُّلْطَان وَالْمُلْك مِنْهُمْ . " لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا . سَيَقُولُونَ " [ الْكَهْف : 22 ] يَعْنِي أَحْبَار الْيَهُود الَّذِينَ أَمَرُوهُمْ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْهُمْ . " ثَلَاثَة رَابِعهمْ كَلْبهمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَة سَادِسهمْ كَلْبهمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَة وَثَامِنهمْ كَلْبهمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَم بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمهُمْ إِلَّا قَلِيل فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ " أَيْ لَا تُكَابِرهُمْ . " إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا " [ الْكَهْف : 22 ] فَإِنَّهُمْ لَا عِلْم لَهُمْ بِهِمْ . " وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِل ذَلِكَ غَدًا . إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه وَاذْكُرْ رَبّك إِذَا نَسِيت وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِينِي رَبِّي لِأَقْرَب مِنْ هَذَا رَشَدًا " [ الْكَهْف : 24 ] أَيْ لَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ سَأَلُوك عَنْهُ كَمَا قُلْت فِي هَذَا إِنِّي مُخْبِركُمْ غَدًا , وَاسْتَثْنِ مَشِيئَة اللَّه , وَاذْكُرْ رَبّك إِذَا نَسِيت وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِينِي رَبِّي لِخَبَرِ مَا سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ رَشَدًا , فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَنَا صَانِع فِي ذَلِكَ . " وَلَبِثُوا فِي كَهْفهمْ ثَلَاثمِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا " [ الْكَهْف : 25 ] أَيْ سَيَقُولُونَ ذَلِكَ . " قُلْ اللَّه أَعْلَم بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونه مِنْ وَلِيّ وَلَا يُشْرِك فِي حُكْمه أَحَدًا " [ الْكَهْف : 26 ] أَيْ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا سَأَلُوك عَنْهُ .

قُلْت : هَذَا مَا وَقَعَ فِي السِّيرَة مِنْ خَبَر أَصْحَاب الْكَهْف ذَكَرْنَاهُ عَلَى نَسَقه . وَيَأْتِي خَبَر ذِي الْقَرْنَيْنِ , ثُمَّ نَعُود إِلَى أَوَّل السُّورَة فَنَقُول : قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْحَمْد لِلَّهِ . وَزَعَمَ الْأَخْفَش وَالْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْد وَجُمْهُور الْمُتَأَوِّلِينَ أَنَّ فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا , وَأَنَّ الْمَعْنَى : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْده الْكِتَاب قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَل لَهُ عِوَجًا . " عِوَجًا " مَفْعُول بِهِ ; وَالْعِوَج ( بِكَسْرِ الْعَيْن ) فِي الدِّين وَالرَّأْي وَالْأَمْر وَالطَّرِيق . وَبِفَتْحِهَا فِي الْأَجْسَام كَالْخَشَبِ وَالْجِدَار ; وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن عِوَج , أَيْ عَيْب , أَيْ لَيْسَ مُتَنَاقِضًا مُخْتَلِقًا ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا " [ النِّسَاء : 82 ] وَقِيلَ : أَيْ لَمْ يَجْعَلهُ مَخْلُوقًا ; كَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى " قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْر ذِي عِوَج " [ الزُّمَر : 28 ] قَالَ : غَيْر مَخْلُوق . وَقَالَ مُقَاتِل : " عِوَجًا " اِخْتِلَافًا . قَالَ الشَّاعِر : أَدُوم بِوُدِّي لِلصِّدِّيقِ تَكَرُّمًا وَلَا خَيْر فِيمَنْ كَانَ فِي الْوُدّ أَعْوَجَا

كتب عشوائيه

  • الآل والصحابة محبة وقرابةالآل والصحابة محبة وقرابة: إن المصاهرة بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في غاية الوضوح، ولا سيما بين ذرية الإمام علي - رضي الله عنه - وذرية الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -، وكذلك المصاهرة مشهورة بين بني أمية وبين بني هاشم قبل الإسلام وبعده وأشهرها زواج الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من بنت أبي سفيان - رضي الله عنهم أجمعين - وفي هذه الرسالة معلقات ذات دلالة عميقة على العلاقة الحميمة بين الآل والأصحاب. - ملحوظة: أضفنا نسخة بجودة منخفضة تصلح للتصفح عن طريق الحاسب الآلي - الكمبيوتر -، ونسخة أخرى بجودة عالية تصلح للطباعة.

    المؤلف : علي بن حمد بن محمد التميمي

    الناشر : مركز البحوث في مبرة الآل والأصحاب http://www.almabarrah.net

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/260223

    التحميل :

  • اعترافات عاشقاعترافات عاشق: قال المؤلف - حفظه الله -: «فهذه جلسة مع العاشقين والعاشقات .. من الشباب والفتيات .. لا لأزجرهم وأخوفهم .. وإنما لأعِدهم وأبشِّرهم .. حديثٌ إلى أولئك الشباب .. الذين أشغلوا نهارهم بملاحقة الفتيات .. في الأسواق وعند أبواب المدارس والكليات .. وأشغلوا ليلهم بالمحادثات الهاتفية .. والأسرار العاطفية .. وحديث إلى أولئك الفتيات.. اللاتي فتنت عيونهن بالنظرات.. وغرّتهن الهمسات.. فامتلأت حقائبهن بالرسائل الرقيقة.. وصور العشيق والعشيقة.. فلماذا أتحدث مع هؤلاء؟!».

    المؤلف : محمد بن عبد الرحمن العريفي

    الناشر : موقع الشيخ العريفي www.arefe.com

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/333816

    التحميل :

  • فتاوى إمام المفتين ورسول رب العالمينفتاوى إمام المفتين ورسول رب العالمين: فتاوى في العقيدة، الطهارة، الصلاة، الموت، الزكاة، الصوم، ليلة القدر، الحج، الأضحية، فضل بعض السور، فضل بعض الأعمال، الكسب، البيوع، المواريث ... إلخ.

    المؤلف : ابن قيم الجوزية

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/1962

    التحميل :

  • حكم الغناءحكم الغناء: رسالةٌ تُبيِّن حكم الغناء في ضوء الكتاب والسنة، وبيان الفرق بين الغناء والحُداء والأناشيد.

    المؤلف : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

    الناشر : شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/314881

    التحميل :

  • المشروع والممنوع في المسجدالمشروع والممنوع في المسجد : المسجد مدرسة الرجال، ومحضن الأبطال، وبقدر الاهتمام به وتفعيل دوره يوجد الرجال، وفي هذه الرسالة بيان أهمية المساجد في حياة المسلم، مع بيان المشروع والممنوع في المسجد.

    المؤلف : محمد بن علي العرفج

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/66732

    التحميل :

اختر التفسير

اختر سوره

كتب عشوائيه

اختر اللغة

المشاركه

Bookmark and Share