خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) (المائدة) mp3
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى التَّوْرَاة الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مُوسَى كَلِيمه وَمَدَحَهَا وَأَثْنَى عَلَيْهَا وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهَا حَيْثُ كَانَتْ سَائِغَة الِاتِّبَاع وَذَكَرَ الْإِنْجِيل وَمَدَحَهُ وَأَمَرَ أَهْله بِإِقَامَتِهِ وَاتِّبَاع مَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه شَرَعَ فِي ذِكْر الْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْده وَرَسُوله الْكَرِيم فَقَالَ تَعَالَى : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ " أَيْ بِالصِّدْقِ الَّذِي لَا رَيْب فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه " مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب " أَيْ مِنْ الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة الْمُتَضَمِّنَة ذِكْرَهُ وَمَدْحَهُ وَأَنَّهُ سَيَنْزِلُ مِنْ عِنْد اللَّه عَلَى عَبْده وَرَسُوله مُحَمَّد - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ نُزُوله كَمَا أَخْبَرَتْ بِهِ مِمَّا زَادَهَا صِدْقًا عِنْد حَامِلِيهَا مِنْ ذَوِي الْبَصَائِر الَّذِينَ اِنْقَادُوا لِأَمْرِ اللَّه وَاتَّبَعُوا شَرَائِع اللَّه وَصَدَقُوا رُسُل اللَّه كَمَا قَالَ تَعَالَى " إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ قَبْله إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَان رَبّنَا إِنْ كَانَ وَعْد رَبّنَا لَمَفْعُولًا " أَيْ إِنْ كَانَ مَا وَعَدَنَا اللَّه عَلَى أَلْسِنَة رُسُله الْمُتَقَدِّمُ مِنْ مَجِيء مُحَمَّد - عَلَيْهِ السَّلَام - لَمَفْعُولًا أَيْ لَكَائِنًا لَا مَحَالَة حَسَن وَقَوْله تَعَالَى " وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ " قَالَ : سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَغَيْره عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ التَّمِيمِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس الْمُهَيْمِن الْأَمِين قَالَ : الْقُرْآن أَمِين عَلَى كُلّ كِتَاب قَبْله . وَرَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد وَمُحَمَّد بْن كَعْب وَعَطِيَّة وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَالسُّدِّيّ وَابْن زَيْد نَحْو ذَلِكَ وَقَالَ اِبْن جَرِير : الْقُرْآن أَمِين عَلَى الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة قَبْله فَمَا وَافَقَهُ مِنْهُ فَهُوَ حَقّ وَمَا خَالَفَهُ مِنْهَا فَهُوَ بَاطِل وَعَنْ الْوَالِبِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمُهَيْمِنًا" أَيْ شَهِيدًا وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمُهَيْمِنًا " أَيْ حَاكِمًا عَلَى مَا قَبْله مِنْ الْكُتُب وَهَذِهِ الْأَقْوَال كُلّهَا مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى فَإِنَّ اِسْم الْمُهَيْمِن يَتَضَمَّن هَذَا كُلّه فَهُوَ : أَمِين وَشَاهِد وَحَاكِم عَلَى كُلّ كِتَاب قَبْله جَعَلَ اللَّه هَذَا الْكِتَاب الْعَظِيم الَّذِي أَنْزَلَهُ آخِر الْكُتُب وَخَاتِمهَا وَأَشْمَلَهَا وَأَعْظَمَهَا وَأَكْمَلَهَا حَيْثُ جَمَعَ فِيهِ مَحَاسِن مَا قَبْله وَزَادَهُ مِنْ الْكَمَالَات مَا لَيْسَ فِي غَيْره فَلِهَذَا جَعَلَهُ شَاهِدًا وَأَمِينًا وَحَاكِمًا عَلَيْهَا كُلّهَا وَتَكَفَّلَ تَعَالَى حِفْظه بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَة فَقَالَ تَعَالَى " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " فَأَمَّا مَا حَكَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْله " وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ " : يَعْنِي مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمِين عَلَى الْقُرْآن فَإِنَّهُ صَحِيح فِي الْمَعْنَى وَلَكِنْ فِي تَفْسِير هَذَا بِهَذَا نَظَرٌ وَفِي تَنْزِيله عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّة أَيْضًا نَظَر وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّحِيح الْأَوَّل وَقَالَ أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير بَعْد حِكَايَته لَهُ عَنْ مُجَاهِد : وَهَذَا التَّأْوِيل بَعِيد عَنْ الْمَفْهُوم فِي كَلَام الْعَرَب بَلْ هُوَ خَطَأ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُهَيْمِن عَطْف عَلَى الْمُصَدِّق فَلَا يَكُون إِلَّا صِفَة لِمَا كَانَ الْمُصَدِّق صِفَةً لَهُ وَلَوْ كَانَ الْأَمْر كَمَا قَالَ مُجَاهِد لَقَالَ " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ " يَعْنِي مِنْ غَيْر عَطْف وَقَوْله تَعَالَى" فَاحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه " أَيْ فَاحْكُمْ يَا مُحَمَّد بَيْن النَّاس عَرَبهمْ وَعَجَمهمْ أُمِّيّهمْ وَكِتَابِيّهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْك مِنْ هَذَا الْكِتَاب الْعَظِيم وَبِمَا فَرَضَ لَك مِنْ حُكْم مَنْ كَانَ قَبْلَك مِنْ الْأَنْبِيَاء وَلَمْ يَنْسَخهُ فِي شَرْعك هَكَذَا وَجَّهَهُ اِبْن جَرِير بِمَعْنَاهُ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمَّار حَدَّثَنَا سَعِيد بْن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا عَبَّاد بْن الْعَوَّام عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ الْحَكَم عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخَيَّرًا إِنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنهمْ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ فَرَدَّهُمْ إِلَى أَحْكَامهمْ فَنَزَلَتْ " وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنهمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ " فَأَمَرَ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْكُم بَيْنهمْ بِمَا فِي كِتَابنَا وَقَوْله " وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ " أَيْ آرَاءَهُمْ الَّتِي اِصْطَلَحُوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا بِسَبَبِهَا مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رُسُله وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَك مِنْ الْحَقّ" أَيْ لَا تَنْصَرِف عَنْ الْحَقّ الَّذِي أَمَرَك اللَّه بِهِ إِلَى أَهْوَاء هَؤُلَاءِ مِنْ الْجَهَلَة الْأَشْقِيَاء وَقَوْله تَعَالَى" لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا " قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد الْأَشَجّ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَنْ يُوسُف بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِيهِ عَنْ التَّمِيمِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة " قَالَ سَبِيلًا وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ سُفْيَان عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ التَّمِيمِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمِنْهَاجًا " قَالَ سُنَّة . وَكَذَا رَوَى الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس شِرْعَة وَمِنْهَاجًا سَبِيلًا وَسُنَّة . وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ وَأَبِي إِسْحَاق السَّبِيعِيّ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْله " شِرْعَة وَمِنْهَاجًا " أَيْ سَبِيلًا وَسُنَّة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَمُجَاهِد أَيْ وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَكْسه " شِرْعَة وَمِنْهَاجًا " أَيْ سُنَّة وَسَبِيلًا وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ فَإِنَّ الشِّرْعَة وَهِيَ الشَّرِيعَة أَيْضًا هِيَ مَا يُبْتَدَأ فِيهِ إِلَى الشَّيْء وَمِنْهُ يُقَال شَرَعَ فِي كَذَا أَيْ اِبْتَدَأَ فِيهِ وَكَذَا الشَّرِيعَة وَهِيَ مَا يُشْرَع فِيهَا إِلَى الْمَاء أَمَّا الْمِنْهَاج فَهُوَ الطَّرِيق الْوَاضِح السَّهْل وَالسُّنَن الطَّرَائِق فَتَفْسِير قَوْله " شِرْعَة وَمُهَاجًا" بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّة أَظْهَرُ فِي الْمُنَاسَبَة مِنْ الْعَكْس وَاَللَّه أَعْلَمُ ثُمَّ هُوَ الْإِخْبَار عَنْ الْأُمَم الْمُخْتَلِفَة الْأَدْيَان بِاعْتِبَارِ مَا بَعَثَ اللَّه بِهِ رُسُله الْكِرَام مِنْ الشَّرَائِع الْمُخْتَلِفَة فِي الْأَحْكَام الْمُتَّفِقَة فِي التَّوْحِيد كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " نَحْنُ مَعَاشِر الْأَنْبِيَاء إِخْوَة لِعَلَّاتٍ دِيننَا وَاحِدٌ " يَعْنِي بِذَلِكَ التَّوْحِيد الَّذِي بَعَثَ اللَّه بِهِ كُلّ رَسُول أَرْسَلَهُ وَضَمَّنَهُ كُلّ كِتَاب أَنْزَلَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ وَقَالَ تَعَالَى وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّة رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت الْآيَة وَأَمَّا الشَّرَائِع فَمُخْتَلِفَة فِي الْأَوَامِر وَالنَّوَاهِي فَقَدْ يَكُون الشَّيْء فِي هَذِهِ الشَّرِيعَة حَرَامًا ثُمَّ يَحِلّ فِي الشَّرِيعَة الْأُخْرَى وَبِالْعَكْسِ وَخَفِيفًا فَيُزَاد فِي الشِّدَّة فِي هَذِهِ دُون هَذِهِ وَذَلِكَ لِمَا لَهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَالْحُجَّة الدَّامِغَة قَالَ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ قَتَادَة قَوْله لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجًا يَقُول سَبِيلًا وَسُنَنًا وَالسُّنَن مُخْتَلِفَة هِيَ فِي التَّوْرَاة شَرِيعَة وَفِي الْإِنْجِيل شَرِيعَة وَفِي الْفُرْقَان شَرِيعَة يُحِلّ اللَّه فِيهَا مَا يَشَاء وَيُحَرِّم مَا يَشَاء لِيَعْلَم مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه وَالدِّين الَّذِي لَا يَقْبَل اللَّهُ غَيْرَهُ التَّوْحِيدُ وَالْإِخْلَاصُ لِلَّهِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ جَمِيع الرُّسُل عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقِيلَ الْمُخَاطَب بِهَذِهِ الْآيَة هَذِهِ الْأُمَّة وَمَعْنَاهُ لِكُلٍّ جَعَلْنَا الْقُرْآن مِنْكُمْ أَيَّتهَا الْأُمَّة شِرْعَة وَمِنْهَاجًا أَيْ هُوَ لَكُمْ كُلّكُمْ تَقْتَدُونَ بِهِ وَحَذَفَ الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي قَوْله لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ أَيْ جَعَلْنَاهُ يَعْنِي الْقُرْآن شِرْعَة وَمِنْهَاجًا أَيْ سَبِيلًا إِلَى الْمَقَاصِد الصَّحِيحَة وَسُنَّة أَيْ طَرِيقًا وَمَسْلَكًا وَاضِحًا بَيِّنًا هَذَا مَضْمُون مَا حَكَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ مُجَاهِد رَحِمَهُ اللَّه وَالصَّحِيح الْقَوْل الْأَوَّل وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى بَعْده " وَلَوْ يَشَاء اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة " فَلَوْ كَانَ هَذَا خِطَابًا لِهَذِهِ الْأُمَّة لَمَا صَحَّ أَنْ يَقُول " وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة " وَهُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَلَكِنَّ هَذَا خِطَاب لِجَمِيعِ الْأُمَم لِلْإِخْبَارِ عَنْ قُدْرَته تَعَالَى الْعَظِيمَة الَّتِي لَوْ شَاءَ لَجَمَعَ النَّاس كُلّهمْ عَلَى دِين وَاحِد وَشَرِيعَة وَاحِدَة لَا يُنْسَخ شَيْء مِنْهَا وَلَكِنَّهُ تَعَالَى شَرَعَ لِكُلِّ رَسُول شَرِيعَة عَلَى حِدَة ثُمَّ نَسَخَهَا أَوْ بَعْضهَا بِرِسَالَةِ الْآخَر الَّذِي بَعْده حَتَّى نَسَخَ الْجَمِيع بِمَا بَعَثَ بِهِ عَبْده وَرَسُوله مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي اِبْتَعَثَهُ إِلَى أَهْل الْأَرْض قَاطِبَة وَجَعَلَهُ خَاتِم الْأَنْبِيَاء كُلّهمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَجَعَلَكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ" يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى شَرَعَ الشَّرَائِع مُخْتَلِفَة لِيَخْتَبِر عِبَاده فِيمَا شَرَعَ لَهُمْ وَيُثِيبهُمْ أَوْ يُعَاقِبهُمْ عَلَى طَاعَته وَمَعْصِيَته بِمَا فَعَلُوهُ أَوْ عَزَمُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلّه وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير " فِيمَا آتَاكُمْ " يَعْنِي مِنْ الْكِتَاب ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَدَبَهُمْ إِلَى الْمُسَارَعَة إِلَى الْخَيْرَات وَالْمُبَادَرَة إِلَيْهَا فَقَالَ " فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات " وَهِيَ طَاعَة اللَّه وَاتِّبَاع شَرْعه الَّذِي جَعَلَهُ نَاسِخًا لِمَا قَبْله وَالتَّصْدِيق بِهَذَا الْقُرْآن الَّذِي هُوَ آخِر كِتَاب أَنْزَلَهُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ" أَيْ مَعَادكُمْ أَيّهَا النَّاس وَمَصِيركُمْ إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة" فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " أَيْ فَيُخْبِركُمْ بِمَا اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ الْحَقّ فَيَجْزِي الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّب الْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْحَقِّ الْعَادِلِينَ عَنْهُ إِلَى غَيْره بِلَا دَلِيل وَلَا بُرْهَان بَلْ هُمْ مُعَانِدُونَ لِلْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَة وَالْحُجَج الْبَالِغَة وَالْأَدِلَّة الدَّامِغَة وَقَالَ الضَّحَّاك : " فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات" يَعْنِي أُمَّة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَوَّل أَظْهَرُ .

كتب عشوائيه

  • الدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعيةالدروس اليومية من السنن والأحكام الشرعية : هذا الكتاب يحتوي على 330 درسا تقرأ على المصلين يوميا على مدار السنة.

    المؤلف : راشد بن حسين العبد الكريم

    الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/78415

    التحميل :

  • موضوعات صالحة للخطب والوعظيحتوي هذا الكتاب على 37 خطبة استفادها المصنف من كتب العلامة ابن القيم - رحمه الله -. والخطب منها ما يتعلق بمعرفة الله - سبحانه وتعالى - بطرقه ودلائله، ومعرفة حكمته في خلقه وأمره، ومعرفة قدر الشريعة من حيث العموم وفي مسائل معينة ذكرتها، ومعرفة معجزات النبوة، ومسائل تتعلق بأعمال القلوب، ومبدأ الإنسان وميزانه ومصيره، إلى غير ذلك

    المؤلف : محمد بن عبد الرحمن بن قاسم

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/70856

    التحميل :

  • البراهين الإنجيلية على أن عيسى عليه السلام داخل في العبودية ولا حظ له في الألوهيةهذه رسالة لطيفة مختصرة ناقش فيها الشيخ - رحمه الله - دعوى النصارى من كتابهم، وبيَّن كذبَهم وتلبيسَهم، فأوضَحَ: 1- إثبات عبودية عيسى - عليه السلام - من كتابهم الإنجيل مع ما حصل عليه من التحريف والتزييف. 2- الأدلة البيِّنة من الإنجيل أن عيسى - عليه السلام - من البشر. 3- كشف أسطورة صلب المسيح وبيان وهنها وضعفها. 4- تبشير الإنجيل - على ما فيه من تحريف - بنبوَّة محمد - صلى الله عليه وسلم -. 5- بيان بعض حكاياته مع بعض مُتعصِّبة النصارى ورد شيءٍّ من شُبَههم. 6- العتب على المسلمين لتقصيرهم في هذا الجانب.

    المؤلف : تقي الدين الهلالي

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/343862

    التحميل :

  • مسائل أبي عمر السدحان للإمام عبد العزيز بن بازقال فضيلة الشيخ صالح الفوزان - جزاه الله خيراً - « فإنّ مما يجرى أجره على الإنسان بعد موته علمًا يُنتفَع به، وإنّ شيخَنا الجليل الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - قد ورّث علمًا نافعًا - إن شاء الله -، من جملته هذه الفتاوى التي رواها عنه تلميذُه الشيخ الدكتور: عبد العزيز السدحان في مواضيع مختلفة. وقد قرأتُها واستفدتُ منها، وأرجو أن يستفيد منها كلّ من اطلّع عليها، وأن يجري أجرها على شيخنا الشيخ عبدالعزيز وعلى راويها الشيخ: عبدالعزيز السدحان، وصلى الله وسلم على نبينِّا محمد وآله وصحبه ». - وفي هذه الصفحة جزآن من هذه المسائل العلمية النافعة.

    المؤلف : عبد العزيز بن عبد الله بن باز - عبد العزيز بن محمد السدحان

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/233551

    التحميل :

  • النور والظلمات في ضوء الكتاب والسنةالنور والظلمات في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في (النور والظلمات في الكتاب والسُّنَّة)، ذكرت فيها بإيجاز الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية التي جاء فيها ذكر النور والظلمات، وفسرت الآيات، وشرحت الأحاديث وبنيت ذلك على كلام أئمة التفسير وشُرَّاح السنة».

    المؤلف : سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    الناشر : المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/193643

    التحميل :

اختر التفسير

اختر سوره

كتب عشوائيه

اختر اللغة

المشاركه

Bookmark and Share